فرسان الكلمة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اسلامى - لغويات- معارف عامة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
الاستفهام الله
المواضيع الأخيرة
» قطر الندى و بل الصدى
موقف شوقى ضيف من النحو العربى (2) Icon_minitime1الأربعاء أغسطس 27, 2014 5:06 pm من طرف Admin

» عدد أحرف القرآن الكريم
موقف شوقى ضيف من النحو العربى (2) Icon_minitime1الجمعة يوليو 25, 2014 12:23 pm من طرف Admin

» من أسرار القرآن (8)
موقف شوقى ضيف من النحو العربى (2) Icon_minitime1الثلاثاء فبراير 18, 2014 3:19 am من طرف Admin

» من أسرار القرآن (7)
موقف شوقى ضيف من النحو العربى (2) Icon_minitime1الثلاثاء فبراير 18, 2014 3:11 am من طرف Admin

» من أسرار القرآن (7)
موقف شوقى ضيف من النحو العربى (2) Icon_minitime1الثلاثاء فبراير 18, 2014 3:07 am من طرف Admin

» من أسرار القرآن (6)
موقف شوقى ضيف من النحو العربى (2) Icon_minitime1الثلاثاء فبراير 18, 2014 3:04 am من طرف Admin

» من أسرار القرآن (5)
موقف شوقى ضيف من النحو العربى (2) Icon_minitime1الثلاثاء فبراير 18, 2014 3:01 am من طرف Admin

» من أسرار القرآن (4)
موقف شوقى ضيف من النحو العربى (2) Icon_minitime1الثلاثاء فبراير 18, 2014 2:58 am من طرف Admin

» من الآيات القرآنية
موقف شوقى ضيف من النحو العربى (2) Icon_minitime1الثلاثاء فبراير 18, 2014 2:56 am من طرف Admin

سبتمبر 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
      1
2345678
9101112131415
16171819202122
23242526272829
30      
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني




 

 موقف شوقى ضيف من النحو العربى (2)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 143
تاريخ التسجيل : 13/09/2013

موقف شوقى ضيف من النحو العربى (2) Empty
مُساهمةموضوع: موقف شوقى ضيف من النحو العربى (2)   موقف شوقى ضيف من النحو العربى (2) Icon_minitime1الإثنين ديسمبر 02, 2013 9:51 pm

المبدأ الأول: الانصراف عن نظرية العامل:
يرى د/ضيف أن هذا هو الأصل الأول الذي ينبغي أن نتكئ عليه في التصنيف الجديد للنحو، وهو ناتج ـ كما يقول ـ من أن واجب النحوي أن يسجل ما وجد في اللغة فعلا من صيغ وعبارات، لا أن يفترض هو صيغا وأحوالا للعبارات لم ترد في اللغة، ونحن لا نقرأ بابا في النحو حتى نجدهم يعرضون لما يصحّ ولما لا يصح، مستلهمين نظرية العامل لا حقائق اللغة في كل ما يعرضون، وإذا كانت نظرية العامل هي التي دفعت النحاة إلى فروض وصور لفروض في نحوهم، فما أحرى بنا أن نتخلص منها، وأن نرفع عن النحو إصرها.. وإن إلغاء هذه النظرية يفيدنا في تنظيم أبواب النحو تنظيما جديدا يقوم على (مبدأ التجانس أو المجانسة)؛ بحيث تجمع في الباب الواحد أحواله المختلفة، فباب مثل (باب المضارع) تجمع فيه الأحوال المشابهة له من مثل بنائه على الفتح وتسكينه، وهذا يقودنا لأن نعتبر المضارع المتصل بنون التوكيد منصوبا لا مبنيا على الفتح، حتى نجانس بين حالة نصبه وحالة بنائه، أو نعتبره في الحالتين مبنيا حتى يتم التنسيق. ومثل ذلك المضارع المتصل بنون الإناث ينبغي أن نضمه إلى المضارع المجزوم، ونسميه في الحالتين مضارعا ساكنا أو مسكنا، ولا داعي لأن نسمي سكونه مرة جزما ومرة بناء، ومعنى ذلك أنه ينبغي أن نسمي الحالة باسم واحد، وأن لا نوزعها على أبواب، ولنصنع ذلك حتى لو لوحظ بعض الاختلاف أحيانا، فإن الفعل المتصل بنون التوكيد يستمر منصوبا مع الجوازم، ولكن هذا لا يغير من القاعدة العامة في نصب المضارع، فهو ينصب بعد (إن وأخواتها) وإذا اتصل بنون التوكيد حتى ولو سبقته أدوات الشرط .
ومبدأ التجانس في التبويب يفيد في تنسيق أبواب النحو، ومثال ذلك الأسماء التي لا تنون مثل الممنوع من الصرف والمنادى المفرد واسم لا النافية للجنس التي يدرسها النحاة في أبواب متباعدة؛ فينبغي أن يضم بعضها إلى بعض ويقرن بعضها ببعض؛ لأنها تعالج حالة واحدة هي حرمانها التنوين، ويترتب على ذلك أن نوحّد التفسير للظاهرة، كأن نجعل هذه الأسماء كلها معربة أو مبنية.
وإن مبدأ التجانس ـ كما يرى د/ضيف ـ يقودنا كذلك إلى التنسيق الداخلي لأحوال الباب الواحد، بحيث تجمع فيه كل صوره وصيغه، ولنضرب مثالا بباب الفاعل، فإن النحاة يقفون عند صيغه العامة المعروفة، لكن قلما وقفوا عند صيغته التي يخرج منها من حالة الرفع إلى حالة الجر حينما يسبق بـ(مِن والباء الزائدتين) كما في قوله تعالى: (كفى بالله شهيدا) و(أسمع بهم وأبصر) .
والباحث يحمد له مبدأ التجانس، فجمع الأحوال المختلفة للباب الواحد في مكان واحد يعد مظهرا من مظاهر تيسير الدرس النحوي، غير أن مثال المضارع الذي ساقه د/ضيف يجعلنا نستفسر: هل المضارع المؤكد الذي اعتبره مضارعا منصوبا هو المضارع المسند لفاعل مفرد مذكر أو يشمل المضارع المؤكد المتصل بواو الجماعة وألف الاثنين وياء المخاطبة؟ وهو في الحالة الأولى مبني وفي الثانية معرب مرفوع، فإن كان يقصد المضارع في الحالة الأولى، فإن ذلك يؤدي إلى خلل في القاعدة؛ لأن أدوات النصب تنصب المضارع في الحالتين وإن اختلفت علامة النصب، وإن كان قصده المضارع في الحالتين فقد اعتبر نون التوكيد حرف نصب ـ مثل (إنّ المشددة) مع الأسماء ـ وهذا يحدث خللا في القاعدة من ناحية أن نون التوكيد تلحق فعل الأمر، وهو مبني في جميع حالاته أو مجزوم حسب اختلاف النحاة، فكيف تؤثر في المضارع ولا تؤثر في الأمر؟. وكذلك دمج المضارع المتصل بنون الإناث مع المضارع المجزوم يحدث خللا أو اضطرابا؛ لأنه في الحالة الأولى مبني على السكون ولا يتغير هذا البناء، بينما هو في الحالة الثانية معرب مجزوم، وتتغير حالته إذا اتصلت به نون التوكيد، فيصبح السكون ثابتا في حالة ومتغيرا في حالة أخرى، وبالتالي فالقاعدة غير مستقيمة، وهذا ما يجعلنا نحكم بأن توزيع النحاة للفعل على أبواب ما بين مبني ثابت ومعرب متغير ـ وفقا لقواعد محددة ـ أمر جيد يدل على دقتهم في المنهج.
كذلك ضم الأبواب التي تحرم التنوين بعضها إلى بعض واعتبارها جميعا معربة أو مبنية أمر يحدث خللا في القاعدة؛ لأن حرمان التنوين في الممنوع من الصرف مرتبط ببنيته الصرفية، أما في المنادى واسم لا النافية للجنس فمرتبط بوظيفة الاسم النحوية في التركيب، فإذا شغل وظيفة أخرى اكتسب التنوين. إضافة إلى هذا فإن المبنيات ملازمة حركة بناء واحدة، أما الممنوع من الصرف فمتغير الحركة وفقا لوظيفته في الجملة. ومن ثم فهذه الرؤية تحتاج إلى إعادة نظر، وهذا ما يجعلنا نؤيد النحاة فيما قالوه بصدد هذه الأسماء.
ويقرر د/ضيف أن التصنيف الجديد للنحو يلغي كثيرا من أبواب النحو، مثل أبواب كان وأخواتها وكاد وأخواتها وظن وأخواتها وأعلم وأخواتها و(ما ولا وإن) العاملات عمل ليس، غير أن صور أمثلتها التي يحفظها الواقع اللغوي لم تخرج من كتب النحو، حيث أدمجت في أبواب أخرى أساسية، فالنواسخ الفعلية نقلت إلى الجملة الفعلية على اعتبار أن أفعالها تامة، والمرفوع بعدها فاعل والمنصوب حال أو مفعول وفقا لنوع الفعل من حيث التعدي واللزوم، أما (ما ولا وإن) فتدخل في باب المبتدأ والخبر ولا تؤثر فيهما، ونصب الخبر في جملتها مثل نصبه في قولهم (ضربي العبد مسيئا)، فـ(مسيئا) خبر لا حال كما يقول النحاة؛ تعميما للقواعد. وأما (إن وأخواتها، ولا النافية للجنس) فالاسم بعدها يعرب مبتدأ منصوبا، كما يجر بعد (ربّ وأخواتها ومِن والباء الزائدتين) .
والباحث يرى أن كون جملة الأفعال الناقصة جملة فعلية ليس مترتبا على إلغاء نظرية العامل، بدليل أن النحاة قد اختلفوا فيها، فبينما عدها البصريون جملة اسمية عدها الكوفيون جملة فعلية دون التعرض لمسألة إلغاء نظرية العامل. والباحث يوافق د/ضيف على دمج أفعال (كاد وأخواتها، وظن وأخواتها وأعلم وأخواتها) في الجملة الفعلية أو في المفعول به كما فعل هو، لأنها أفعال تحمل أحداثا أو معاني موضوعة في إطار زمني، لكنه لا يوافق على أن تكون جملة (كان وأخواتها) جملة فعلية؛ لأنها أفعال تدخل على الجملة الاسمية، فتؤثر عليها من ناحية التركيب؛ حيث تكون عوامل رفع للمبتدأ ونصب للخبر، ويسمى المبتدأ اسمها ويسمى الخبر خبرها، وتؤثر عليها من ناحية الدلالة؛ حيث تضع الجملة الاسمية في إطار زمني محدد ، وتصبح الجملة حاملة دلالة التغيّر بدلا من دلالة الثبات التي هي صفة الجملة الاسمية؛ ولذلك فهي تسمى "أفعـال الوجـود verbes d’existence" أو "الأفعال الناقصة" أو "أفعال العبارة" وقد تناول سيبويه هذه الأفعال في أكثر من موضع من كتابه، منها قوله الذي يوضح أن هذه الأفعال لا وظيفة لها إلا أنها تحمل زمنا ما ولا معنى فيها: ".. كان ويكون وصار ومادام وليس وما كان نحوهن من الفعل مما لا يستغنى عن الخبر تقول : كان عبدالله أخاك ، فإنما أردت أن تخبر عن الإخوة ، وأدخلت كان لتجعل ذلك فيما مضى .." . ويضيف مؤكدا أن الخبر فى جملتى (كان وأخواتها) و(إن وأخواتها) كالخبر فى الجملة الاسمية النواة (المبتدأ والخبر)، وذلك في قوله: "..ومما يكون بمنزلة الابتداء قولك: كان عبدالله منطلقا وليت زيدا منطلق؛ لأن هذا يحتاج إلى ما بعده كاحتياج المبتدأ إلى ما بعده" . ويقول أيضا: "واعلم أنه إذا وقع فى هذا الباب نكرة ومعرفة فالذى تشغل به كان المعرفة؛ لأنه حد الكلام؛ لأنهما شيء واحد، وليس بمنزلة قولك : ضرب رجل زيدا؛ لأنهما شيئان مختلفان ، وهما فى كان بمنزلتهما فى الابتداء إذا قلت: عبد الله منطلق " .
ويؤكد سيبويه أن هذه الأفعال ليست كسائر الأفعال ولا تقوى قوتها فى إسنادها لضمائر النصب المتصلة، فلا يجوز إسنادها لها، يقول : ".. فلا نقول: كانه، بل نقول: كان إياه؛ لأن كانه قليلة ولم تستحكم هذه الحروف هاهنا، لا تقول : كاننى وليسنى ولا كانك، فصارت إيا ههنا بمنزلتها فى ضربنى إياك" ويضيف قائلا: "وتقول: أتونى ليس إياك ولا يكون إياه ؛ لأنك لا تقدر على الكاف ولا الهاء هاهنا، فصارت (إيا) بدلا من الكاف والهاء فى هذا الموضع.
ولم يفت سيبويه أن يشير إلى (كان التامة) التى تحمل معنى الوجود أو الخلق، وذلك فى قوله: "وقد يكون لكان موضع آخر يقتصر على الفاعل فيه، تقول: قد كان عبدالله أى خلق. وقد كان الأمر أى وقع الأمر، وقد دام فلان أى ثبت .. كما يكون أصبح وأمسى مرة بمنزلة كان ومرة بمنزلة قولك : استيقظوا وناموا" .
ومن ثم يرى الباحث أن جملة (كان وأخواتها) جملة اسمية موضوعة في إطار زمني، وأن فعل الكينونة عنصر توسيعى لها، بدليل أنه أحيانا يفقد وظيفته النحوية، فلا يرفع مبتدأ ولا ينصب خبرا، وذلك فى حالة مجيئه زائدا، ولم يفت سيبويه أن يشير إلى هذا، فذكر أنها تأتى زائدة ملغاة، فلا عمل لها، ونقل عن الخليل قوله: "إن من فضلهم كان زيدا، على إلغاء كان .
عود إلى د/ضيف ومناقشة رأيه بأن (مسيئا) في جملة (ضربي العبد مسيئا) خبر منصوب لا حال، وأن الخبر في مثل (ما أنت بشرا) والمبتدأ في جملة (إن وأخواتها ولا النافية للجنس) منصوبان بدون تأثير من الحرف.
الباحث لا يتفق معه في هذا الرأي؛ حيث يؤدي إلى الاضطراب والخلل؛ لأنه يفقد القاعدة إحكامها، فلا تكون هناك قاعدة ثابتة محددة لمجئ المبتدأ أو الخبر مرفوعا أو منصوبا، واحتجاج د/ضيف بأن المبتدأ أو الخبر يأتي مجرورا أحيانا احتجاج مردود؛ لأن المبتدأ أو الخبر يجر بتأثير من الحرف، أي أن الحرف يعمل فيه الجر، وبالتالي لابـد أن ينصب بتأثير من الحرف، وحينئذ نكون متفقين مع النحاة، وينحصر الخلاف بين د/ضيف والنحاة في إطلاق المصطلح، فبينما يطلق النحاة على المبتدأ ـ مثلا ـ اسم إن منصوبا، يطلق عليه د/ضيف مبتدأ منصوبا، أما لو كان د/ضيف يرى أن المبتدأ أو الخبر منصوب بدون تأثير عامل عمل فيه النصب فمردود؛ لأن ذلك يطيح بالقواعد التي أرساها النحاة، وهذا يمنعنا من رفض نظرية العامل رفضا مطلقا. ورأي د/ضيف في أن (لا النافية للجنس) تدرس في باب المبتدأ والخبر يتعارض مع رأيه في أن الأسماء المحرومة من التنوين ـ ومنها اسم لا النافية للجنس ـ ينبغي أن يضم بعضها إلى بعض وتدرس تحت باب واحد، ومثل هذا الأمر قد يحدث خللا في المنهج.
وينتقل د/ضيف إلى باب التعدي واللزوم مقررا أنه مما يجب أن يسحب من النحو فكرة التعدي واللزوم؛ لأنه يدل على العمل، واقترح أن نختار مصطلحا آخر مما ذكره بعض النحاة مثل ( أفعال واقعة وغير واقعة) أو (أفعال مجاوزة وغير مجاوزة) أو (أفعال مؤثرة وغير مؤثرة). وأنا أتساءل: إذا كان الهدف من صنع د/ضيف هذا هو تيسير النحو العربي، فأين التيسير من استبدال مصطلح بمصطلح آخر؟! ألم تشترك هذه المصطلحات جميعا في دلالاتها وتأثيرها على ما بعدها؟.
ومن الأبواب التي لفتت انتباه د/ضيف ـ والباحث على وفاق معه ـ باب التمييز؛ إذ لاحظ أن النحاة يدرسونه في أبواب متباعدة كـ(باب العدد وباب اسم التفضيل وباب التعجب وباب المدح والذم وباب كم وكذا وباب الفعل اللازم والصفة المشبهة)، فهذه الأبواب ينبغي أن تدرس في باب واحد يجمعها مع صور المكاييل والموازين بالإضافة إلى صورة الاختصاص في مثل (نحن العربَ أكرمُ الناس)؛ حتى يفهم الباب ولا يمزق هذا التمزيق في كتب النحو. وعلى هذا النمط نستطيع أن نصنف النحو تصنيفا جديدا قائما على الدقة في التبويب من جهة، ثم على جمع صور الباب فيه وصيغه وأحواله من جهة أخرى .

المبدأ الثاني: منع التأويل والتقدير في الصيغ والعبارات:
هذا هو الأصل الثاني ـ كما يقول ـ الذي ينبغي أن نتكئ عليه في تصنيف النحو تصنيفا جديدا، وهو يعد ضرورة من ضرورات فهم الأساليب العربية فهما دقيقا، وتطبيق هذا الأصل أو المبدأ يريحنا من ثلاثة أشياء: إضمار المعمولات وحذف العوامل وبيان محل الجمل والمفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية.
أما إضمار المعمولات فنقصد بها الفاعل المضمر الذي يقدره النحاة مستترا جوازا أو وجوبا، وهو استتار وهمي لا دليل عليه، ففي جملة (زيد قام) نجد أن من التكلف اعتبار (قام) بها فاعل مستتر يعود على (زيد) وزيد معنا في الجملة، فلا داعي لتقديره مع وجوده، فالفعل يدل بمادته على الفاعل كما يدل على الحدث والزمن، ويتضح هذا في الصيغ (أعلم ونعلم وتعلم)، فلماذا نقدر فاعلا مستترا وجوبا في الصيغ الثلاث هو (أنا، نحن، أنت)؟ بل ينبغي ألا نتحدث عنه مادام لا يمكن ظهوره، وخير من ذلك أن نقول: إن (أعلم) فعل مضارع للمتكلم، ونسكت، وليس من الضروري أن يكون لكل فعل فاعل، فقد يوجد الفاعل مع فعله وقد يحذف؛ لأن الفعل يدل عليه بنفسه، ويتضح هذا أكثر في فعل التعجب وأفعال الاستثناء (خلا، عدا، حاشا) وفي (نعم وبئس) وفي باب التنازع مثل (قام وقعد الناس)، فالفاعل المضمر غير معروف، ومن ثم ينبغي ألا نتحدث عنه؛ حتى لا نحيل على أشياء لا يراها الناس في الصيغة التي يقرءونها .
والباحث يختلف مع د/ضيف في رأيه بإلغاء الفاعل المضمر في الفعل وفي رأيه بأن (زيدا) في جملة (زيد قام) هو الفاعل، ولا داعي لتقديره ثانية؛ والباعث على الخلاف أن الباحث يرى أن بنية الجملة العربية قائمة على عنصرين أساسين ـ مع إفادتها معنى تاما ـ هما المسند والمسند إليه، والأول يمثله الفعل والخبر والثاني يمثله الفاعل والمبتدأ، وهذا يعني ضرورة وجود العنصرين لتكوين الجملة حتى ولو حذف أحدهما أو أضمر، وما يجوز حذفه وتقديره هو المبتدأ أو الخبر، أما الفعل والفاعل فلا يجوز أن يحذف أحدهما دون الآخر، إنما يحذفان معا أو يبقيان معا. وينبغي أن نفرق بين نوعين للفاعل: فاعل نحوي وفاعل دلالي ، وإن لم يفرق النحاة بينهما؛ فالفاعل في مفهومهم هو ذلك الاسم المرفوع المسند إليه الفعل، وقد يحل محله ضمير، والضمير نوعان مستتر وظاهر، والمستتر نوعان: لازم، وذلك إذا كان الفعل مسندا للمتكلم (أفعلُ ونفعلُ) والمخاطب (تفعلُ وافعلْ)، وغير لازم وذلك إذا كان الفعل مسندا للغائب المذكر والمؤنث (يفعلُ وتفعلُ) .
ولم يختلف المحدثون كثيراً عن القدماء في مفهومهم للفاعل، غير أن الباحث لا يذهب مذهبهم؛ إنما يرى أن الفاعل النحوي هو الضمير الملازم للفعل pronom sous-entendu du verbe ويتمثل في سوابق المضارع préfixes (حروف أنيت)، ولواحق الماضى suffixes في حالة التكلم والخطاب (تاء الفاعل ونا الفاعلين)، أما في حالة إسناد الفعل للضمير الشخصي الثالث (ضمير الغائب)، فالفاعل هو العلامة الصفرية (0) zéro ؛ لأن غياب العلامة علامة ، وعلى هذا فالفعـل العربي يمثل جمـلة تامـة énoncé complet تسمى بالجملة النواة phrase nucléaire أو الجملة الدنيا phrase minimale عنصراها الفعل verbe وفاعله النحوي sujet sintaxique، فلا فرق بين الجمل (كتبَ كتبتُ، كتبتَ)؛ فثلاثتها تحتوى على عنصري الجملة النواة الفعل والفاعل:
كتب + 0 (هو) = il a écrit
كتبتُ .......... = j’ai écrit
كتبتَ ......... = tu as écrit
ووفقا لهذا التحليل، فإن وظيفة الاسم المرفوع بعد الفعل أنه عنصر توسيعى وصف أو مؤكد للفاعل المضمر élément d’expantion d’identité، مثله مثل الضمير المنفصل في جملة (فعل هو) فهذا الضمير لا يمكن أن يكون فاعلا وحينما نحلل الجملة، يكون التحليل على هذا الأساس:
"فعل + 0 + هو ....... A fait + il + lui"
ولو لم يكن الفاعل كامنا في الفعل لجاز أن نسند هذا الفعل للضمير المنفصل الدال على التكلم أوالخطاب فنقول:
"فعل أنا ..... Ai fait je" "فعل أنت ..... As fait tu"
فهل يجوز هذا التركيب فى اللغة ؟ هل يجوز أن يأتى الضمير "أنا أو أنت" فاعلا لـ (فعل)؟ لا شك أن هذا التركيب غير مستقيم مع نظام الجملة العربية؛ ومن ثم فالضمير (هو) لا يكون فاعلا لـ(فعل) ، وإنما يقوم بذات الوظيفة التى يقوم بها الضميران ( أنا وأنت) إذا تليا الفعل، ومن ناحية أخرى فهو يحل محل الاسم الظاهر، إذ إننا نقول: كتب هو، وكتب زيد ، وعلى ذلك فالاسم الظاهر يقوم بنفس الوظيفة التى يقوم بها الضمير الدال عليه ومن ثم فهذا دليل واضح على أن الاسم الظاهر بعد الفعل ليس فاعلا نحويا sujet sintaxique.
وثمة دليل ثان يتمثل فى العطف corrodination ، ففى حالة عطف اسم على الاسم المرفوع بعد الفعل نجد أن الاسم الواقع بعد الفعل لا يحل محل ضمائر الوصل الفاعلية pronoms conjoints du sujet الموجودة فى (كتبت katabtu وكتبت katabta) ولكنه يحل محل ضمائر الفصل pronoms disjoints الملحقة بالجملة الفعلية، فنقول:
كتبت أنا وبكر J’ai écrit , moi et Bakr ولا نقول: كتبت وبكر
كتبت أنت وبكر Tu as écrit , toi et Bakr ولا نقول: كتبت وبكر
كتب هو وبكر Il a écrit , lui et Bakr ولا نقـول: كتب وبكـر
كتب زيد وبكرIl aécrit , Zayd et Bakr ولا نقول: كتب وبكـر
فالتركيب الثانى من كل مثال غير سائغ استعماله، إن لم يكن مرفوضا من قِبَل النظام اللغوي ؛ ومن ثم استوقف سيبويه كثيرا، فعقد له بابا أسماه "باب ما يحسن أن يَشرك المظهر المضمر فيما عمل وما يقبح أن يَشرك المظهر المضمر فيما عمل فيه" قائلا: "وأما ما يقبح أن يَشركه المظهر فهو المضمر فى الفعل المرفوع، وذلك قولك: فعلت وعبدالله، وأفعل وعبدالله .. فإن نعتّه حسُن أن يَشركه المظهر، وذلك قولك: ذهبتَ أنت وزيد، قال تعالى: {فاذهب أنت وربك} و{اسكن أنت وزوجك الجنة}، وذلك أنك لما وصفته حسن الكلام حيث طوّله وأكده.." ، ويقول أيضا: "..وإن حملت الثانى على الاسم المرفوع المضمر فهو قبيح؛ لأنك لو قلت: اذهب وزيد، كان قبيحا حتى تقول: اذهب أنت وزيد" . ويقول فى موضع آخر: ".. لو قلت: اقعد وأخوك كان قبيحا حتى تقول: أنت؛ لأنه قبيح أن تعطف على المرفوع المضمر" .
كذلك يمكننا أن نضيف دليلا ثالثا، يتمثل فى التوكيد المعنوى، فحينما نؤكد (زيدا) فى جمـلة "كتب زيد" نقول: كتب زيد نفسه، فإذا كان زيد هو الفاعل، فينبغى أن تستقيم القاعدة حينما يحل ضمير محل زيد، ولا خلاف بين النحويين على أن ( كتبتُ وكتبتَ وكتبَ زيد) جمل فعلية تتكون من فعل وفاعل، فهل سائغ قولنا: كتبتُ نفسى وكتبتَ نفسك، كما نقول "كتب زيدٌ نفسه"؟ .
أزعم أن التركيبن الأول والثانى لا يستقيمان ونظام الجملة العربية؛ ولذا لجأ النحويون إلى إثبات ضمير منفصل يحمل دلالة الضمير المتصل، إذ يقول سيبويه: "واعلم أنه قبيح أن تصف المضمر فى الفعل بنفسك وما أشبهه؛ وذلك أنه قبيح أن تقول: فعلتَ نفسُك، إلا أن تقول: فعلتَ أنت نفسُك.." ، ويقول فى موضع آخر: ".. لو قلت: اذهب نفسُك، كان قبيحا حتى تقول: اذهب أنت نفسُك" .
ومن ثم فهذا يؤكد لنا أن "زيدا" ليس فاعلا نحويا وإنما هو عنصر توسيعى وصف أو توكيد élément d’expntion d’identité للفاعل النحوى مثله مثل الضمير المنفصل المؤكد للفاعل
من ناحية أخرى إذا وضعنا في الاعتبار رؤية بعض النحويين فى أنه يجوز تقديم الفاعل على فعله، فيشغل "زيد" وظيفة الفاعل فى هاتين الجملتين "قام زيد، زيد قام"، وهذا يعنى أنه يقوم بوظيفة الضمير المتصل بالفعل فى حالتى التكلم والخطاب كما في "قمتُ وقمتَ"، فهل يجوز أن نقدّم ذلك الضمير على فعله كما جاز مع زيد، فنقول:
كتب زيد ........ زيد كـتب - كتبت ........ أنا كتب - كتبت ...... أنت كتب

لا شك فى أن هذا التركيب خارج على نظام الجملة العربية، ولمزيد من التأكيد على هذا الرأى نستمع لحديث سيبويه فى هذا الصدد؛ حيث يقول: "..لا يقع (أنا) فى موضع التاء التى فى (فعلت)، لا يجوز أن تقول: (فعل أنا)؛ لأنهم استغنوا بالتاء عن أنا، ولا يقع (نحن) فى موضع (نا) التى فى (فعلنا)، لا تقول: (فعل نحن) .. واعلم أنه لا يقع (أنت) فى موضع التاء التى فى (فعلت)، ولا (أنتما) فى موضع (تُما) التى فى (فعلتما) ألا ترى أنك لا تقول: (فعل أنتما)، ولا يقع (أنتم) فى موضع (تُم) التى فى (فعلتم)، ولو قلت: (فعل أنتم) لم يجز .. ولا يقع (هو) فى موضع المضمر الذى فى (فعل)، ولو قلت: (فعل هو) لم يجز إلا أن يكون صفة، ولا يجوز أن يكون (هما) فى موضع الألف التى فى (ضربا) والألف التى فى (يضربان)، ولو قلت: (ضرب هما أو يضرب هما) لم يجز، ولا يقع (هم) فى موضع الواو التى فى ضربوا ولا الواو التى مع النون فى (يضربون)، ولو قلت: (ضرب هم أو يضرب هم) لم يجـز، وكذلك (هى) لا تقع موضع الإضمار الذى فى (فعلت)؛ لأن ذلك الإضمار بمنزلة الإضمار الذى له علامة، ولا يقع (هن) فى موضع النون التى فى (فعلن ويفعلن)، ولو قلت: (فعل هن) لم يجز إلا أن يكون صفة، كما لم يجز ذلك فى المذكر، فالمؤنث يجرى مجرى المذكـر" .
وهذا دليل آخر نؤكد به أن الاسم الظاهر المرفوع بعد الفعل المسند لضمير الغائب ليس فاعلا نحويا وإنما هو عنصر توسيعى نعت أو توكيد للفاعل الضميرى sujet intérieur وإن كان هو الفاعل الدلالى sujet sémantique.
ولعل حديثا للدكتور/شوقي ضيف في موضع آخر يدل بوضوح على أنه تراجع عن رأيه هذا ومال إلى رأي النحاة من ناحية وبعض المحدثين من ناحية أخرى، إذ يقول معلقا على رأي ابن مضاء واللجنة العلمية والمجمع في ذلك: "وأرى أنه كان حريا بابن مضاء واللجنة والمجمع ألا يقرروا هذه القاعدة التي تلغي الضمائر المستترة وتحيل ضمائر الرفع المتصلة البارزة حروف إشارة، كما تحيل ألف الاثنين وواو الجماعة ونون النسوة علامات عدد؛ لأن ذلك من شأنه أن يخلخل قاعدة الفاعل، إذ تارة يكون للفعل فاعل في مثل (زيد سافر إخوته) وتارة لا يكون له فاعل في مثل (زيد سافر)، والأصل في قواعد العلوم أن تكون مطردة، على أن من يتأمل ضمائر الرفع المتصلة البارزة مع الماضي يرى أنها مقتطعة من ضمائر منفصلة مقابلة لها.. ونستطيع أن نلاحظ أن مضارع المتكلم يبدأ بالهمزة الموجودة في الضمير (أنا) بينما مضارع المتكلمين مثل (نقوم) يبدأ بالنون الموجودة في (نحن) ، وكذلك مضارع المخاطب يبدأ بالتاء الموجودة في (أنت)، ولعل في ذلك ما يدل على أن النحاة كانوا في منتهى الدقة العلمية حين عدوا التاء في (قمت) ضمير رفع متصل بارز فاعل، وكذلك حين ذهبوا إلى أن مضارع المتكلم في مثل (أقوم) يحمل ضمير رفع مستتر وجوبا على أساس أنها جميعا ضمائر لا حروف، ولذا كنت أرى الإبقاء في النحو التعليمي على فكرة الضمائر المستترة جوازا ووجوبا... وأن تعرب جميعا فواعل"
وعود لحديث د/ضيف عن حذف العوامل؛ حيث يذكر أنها تتضح في قولنا: (زيد في الدار)؛ فقد زعم النحاة أن الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره (استقر أو مستقر) هو الخبر، وهذا زعم ـ كما يقول ابن مضاء ـ لا داعي له، وينبغي أن نقرر أن الجار والمجرور هو الخبر. وكذلك الأمر نجده في نواصب المضارع في نحو (ما تأتينا فتحدثنا) إذ يرى النحاة أن الفعل الثاني منصوب بـ(أن) مضمرة وجوبا، وهو تقدير لا دليل عليه.
وأكثر من هذا أن إلغاء العوامل المحذوفة يريحنا من باب مثل باب الاشتغال، ففي جملة (زيدا ضربته) نعرب زيدا مفعولا به منصوبا ولا نقدر العامل المحذوف، ويكفي أن يعود عليه ضمير منصوب. وكذلك الأمر في أبواب الإغراء والتحذير والنداء والمصادر المنصوبة، فلا داعي لأن نقدر عاملا محذوفا عمل فيها النصب، وهذا العامل لا يظهر، وهذا ما يلفتنا إلى ظاهرة مهمة في العربية، وهي أنها لغة موجزة، فلا داعي للتقدير مادام المقدر لا يظهر في الجملة ولا يحتاجه المتلقي ولا يعنيه المتكلم. ويقترح د/ضيف أن كل الصيغ التي قدر لها النحاة عوامل محذوفة تتم بها الجملة يضم بعضها إلى بعض، ويفرد لها باب خاص نسميه (باب الصيغ الشاذة) أو نسميه (باب شبه الجملة)، فمثلا في إعراب (لولا دعاؤكم..) لا نعرب (دعاؤكم) مبتدأ مرفوعا والخبر محذوف تقديره موجود، بل يكفي أن نقول (دعاؤكم) شبه جملة مرفوعة. ويرى د/ضيف أن هذا الأمر يتيح لنا أن نجمع كل الصيغ التي على هذه الشاكلة ونسميها (شبه الجملة) وتقسم ثلاثة أقسام: شبه جملة مرفوعة وشبه جملة منصوبة وشبه جملة مجرورة. ومن أمثلة شبه الجملة المرفوعة في الصيغ: بعد لولا وفي جواب الاستفهام مثل (من قام؟ فيقال: زيد) وفي جواب الشرط مثل (إن تصنع ذلك فخير) وفي القسم (لعمرك لأفعلن) وفي المصادر المرفوعة مثل (فصبر جميل) وفي المتعاطفين المرفوعين المكتفين بنفسهما مثل (كل رجل وعمله) وفي صيغة النداء المرفوعة (يا زيد). وشبه الجملة المنصوبة تنقاس في مثل الصيغ: الاشتغال والتحذير والإغراء والنداء المنصوب وبعد لات وفي المتعاطفين المنصوبين المكتفين بنفسهما (أهلك والليل) وفي المصادر المنصوبة (حمدا وشكرا وسبحانك) وغير هذا. وشبه الجملة المجرورة تنقاس في مثل: القسم (والله) والضمير بعد لولا (لولاك) وبعد هل (هل من رجل) وهكذا. ولا يضير اللغة أن نهمل التأويل والتقدير وأن نضع كل هذه الصيغ ومثلها تحت باب (شبه الجملة) أو باب (الصيغ الشاذة) وندرسها.
والباحث يرى أن د/ضيف محق في عدم تقدير عامل محذوف يتعلق به الجار والمجرور في قولنا (زيد في الدار) على اعتبار أن الجار والمجرور قد شغل وظيفة الخبر دون تقدير لا حاجة لإظهاره، غير أن الرأي ليس جديدا، فقد ذهب إليه بعض النحاة وفي مقدمتهم سيبويه، إذ يقول: "واعلم أن المبتدأ لابد له من أن يكون المبنى عليه شيئا هو هو أو يكون فى مكان أو زمان ، وهذه الثلاثة يذكر كل واحد منها بعد ما يبتدأ.." فالمكان والزمان يمثلان الظرف المستقر. ومن الأمثلة التي ساقها سيبويه للظرف قوله: "..وأما قولهم: دارى خلف دارك فرسخا، فانتصب لأن خلف خبر للدار، وهو كلام قد عمل بعضه فى بعض واستغنى" .
أما المصطلح الجديد (شبه الجملة) والذي أطلقه د/ضيف على الصيغ التي لا تكوّن جملا إلا بتقدير عنصر متتم للعنصر الذي تمثله الصيغة الموجودة، وجمع تحته صيغا كثيرة مرفوعة ومنصوبة ومجرورة فيحتاج إلى إعادة نظر؛ لأنه يحدث خلطا ولبسا مع الجمل الاسمية التي يحذف فيها المبتدأ أو الخبر وجوبا أو جوازا، وكذلك الجمل الفعلية التي يحذف منها الفعل والفاعل ويبقى المفعول دالا عليها، وأما الصيغ الفعلية التي لا تحتاج إلى فاعل من وجهة نظره مثل (أعلم ونعلم)؛ لأنها صيغ مستقلة فلا أوافقه عليها.
ومصطلح (شبه الجملة) بهذه الدلالة الجديدة لم يكن د/ضيف بدعا فيه؛ إذ أشار إليه برجشتراسر في قوله: "ومن الكلام ما ليس بجملة بل هو كلمات مفردة أو تركيبات وصفية أو إضافية أو عطفية غير إسنادية، مثال لذلك النداء؛ فإن (يا حسن) ليس بجملة ولا قسم من الجملة، وهو مع ذلك كلام ويشبه الجملة في أنه مستقل بنفسه لا يحتاج إلى غيره مظهرا كان أو مقدرا، بخلاف مثل قولنا (أمسِ) جوابا عن السؤال (متى جئت)، فإن تقديره (جئت أمس)، فـ(أمس) وأمثالها جمل ناقصة، والنداء وأمثاله نسميها (أشباه الجملة)، وشبه الجملة اسم في أكثر الحالات، ولا يمكن أن يكون فعلا؛ لأن الفعل يساوي الجملة الكاملة" .
ويبدو أن كلام برجشتراسر أكثر دقة من كلام شوقي ضيف؛ لأنه فرق بين شبه الجملة والجملة الناقصة، فشبه الجملة يطلق على تركيب يؤدي معنى وليس بجملة كاملة ولا يحتاج إلى محذوف مقدر، والجملة الناقصة هي التي يحذف عنصراها الأساسيان أو أحدهما، كما وضّح أن الفعل لا يدخل في أشباه الجملة، إنما هو جملة كاملة؛ لأن به الفاعل وإن لم يكن ظاهرا.
ويحتمل أن يكون د/ضيف قد أخذ المصطلح من برجشتراسر، ويزيد هذا الاحتمال إذا علمنا أن المثال الذي استشهد به د/ضيف وهو (لولا دعاؤكم) قد ورد عند برجشتراسر وقال عنه: "أي لولا أن وجد دعاؤكم" . ولمَ لا ؟ وبرجشتراسر قد ألقى محاضراته بجامعة القاهرة في عام 1929 ، وشوقي ضيف حقق كتاب الرد على النحاة في 1947.
والباحث يطرح رأيا آخر مفاده أن النداء يمثل جملة مستقلة تحتوي على عنصريها الأساسين على أن حرف النداء يمثل المسند، والمنادى هو المسند إليه. وما الذي يمنع من ذلك؟! وعلى كل فإن الباحث يرى أن ما قدمه د/ضيف فيما يختص بحذف العوامل ـ باستثناء متعلق الظرف والجار والمجرور ـ لا يقدم تيسيرا للنحو العربي؛ لأنه يؤدي إلى هدم شطر كبير من الجمل العربية الكاملة بسبب استبعاد الجمل الناقصة من الجمل الكاملة ودخولها في أشباه الجمل.
ثم ينتقل د/ضيف بعد ذلك إلى الجانب الثالث الذي نكسبه من وراء منع التأويل والتقدير في الصيغ والعبارات، وهو جانب التأويل في محل الجمل والمفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية، فمثلا في جملة (زيد يسافر أبوه) يقول النحاة بأن جملة (يسافر أبوه) في محل رفع خبر لـ(زيد)، وفي جملة (جاء الذي رأيناه أمس) يقولون: إن جملة (رأيناه أمس) لا محل لها من الإعراب، فهم يقسمون الجمل إلى جمل لها محل وجمل ليس لها محل من الإعراب، ويعددون النوعين على النحو المعروف في كتب النحو، وأولى من ذلك أن نقول: إن هذه الجملة خبر أو نعت أو حال. ويدخل في منع التأويل الجمل التي أوّلها النحاة بمصدر، وهي الجمل التي بعد (أنْ ، أنّ ، لو ، ما) مثل (يعجبني أنك سافرت) فالتقدير عند النحاة (يعجبني سفرك)، وهذه التأويلات كلها لا داعي لها، بل يجب أن ننفيها من النحو، ويكفي أن نقرر في كل باب أنه يأتي مفردا ويأتي جملة ، والباحث يرى أن د/ضيف محق في ذلك، ويرى أن النحاة اعتنوا بالوظيفة النحوية للفظة المفردة أكثر من اعتنائهم بوظيفة الجملة؛ ومن أجل هذا رفضوا أن يأتي الفاعل جملة.
كذلك ينبغي أن نمنع التأويل في المفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية حين تقع مبتدآت أو أخبارا أو فاعلات أو مفعولات أو غير ذلك، ويكفي أن نبين الوظيفة النحوية للكلمة في الجملة ولا نستمر، فنقول في مثل (هذا محمد): هذا مبتدأ مبني، وهذا يقودنا إلى أن نستغني عن إعراب أي كلمة لا توجد حاجة إلى إعرابها، ويتضح هذا في أدوات الشرط الاسمية، فإعرابها لا يفيد شيئا، فماذا يفيد إعراب (من) في جملة (من يقم أقم معه) بأنها مبتدأ؟ ومما ينبغي أن لا نعربه؛ لأن إعرابه لا يفيد (كـم) الاستفهامية والخبرية و(أن) المخففة من الثقيلة التي يقدر النحاة اسمها ضمير شأن محذوف.
ويفصح د/شوقي عن هدفه من ذلك بأن الإعراب ليس غاية في ذاته، وإنما هو وسيلة لتصحيح النطق، ومادام إعراب أداة لا يفيدنا شيئا في لساننا ولا في نطقنا فينبغي أن لا نقف عنده ولا نفكر فيه، وينبغي أن يُنفى من النحو .
والباحث يتفق مع د/ضيف في منع التأويل في المفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية، إذ يكفي أن نبين وظيفة الكلمة داخل الجملة، لكن نتساءل: لماذا لم يطبق د/ضيف مبدأ التجانس على الأسماء المقصورة والمنقوصة والمبنية، فيجعلها في باب واحد مبنية أو معربة؛ إذ تشترك جميعا في عدم ظهور الحركة، كما دعا إلى ذلك في الأسماء التي تحرم التنوين؟ فتطبيق أساس ما أو مبدأ ما في موضع دون موضع يخلّ بالمنهج العام. أما الدعوة إلى الاستغناء عن إعراب أسماء الشرط وغيرها مما ذكره د/ضيف بحجة أن ذلك لا يفيد شيئا في تقويم اللسان وتصحيح النطق فذلك أمر يحتاج إلى نظر؛ لأن هناك فرقا بين بيان وظيفة الكلمة في الجملة وعلامة الإعراب التي تستحقها، فلو كان د/ضيف يقصد الاستغناء عن وظيفة الكلمة النحوية لوجب أن يسحب ذلك على كل الأسماء المقصورة والمنقوصة والمبنية؛ فكلها لا تظهر عليها علامات إعراب تساعد على النطق السليم، غير أنه لم يفعل ذلك، ولنسأل: لماذا نقول في (هذا محمد): هذا مبتدأ مبني، ولا نقول ذلك في (من) من قولنا: (من يقم أقم معه)؟ ولا فرق بينهما في تقويم اللسان وتصحيح النطق. ومن ناحية أخرى فإن الاستغناء عن إعراب أسماء الشرط ينبغي أن يسحب على أسماء الاستفهام تعميما للقاعدة، لأن كثيرا منها مشترك. أما لو كان قصده الاستغناء عن قولنا في (من يقم أقم معه): من اسم شرط مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، ويكتفي ببيان أنها اسم شرط مبني مبتدأ، لاتفقنا معه، وحينئذ تدخل أسماء الشرط في قاعدة الأسماء المبنية والمقصورة والمنقوصة.
تعليــق :
بعد هذا العرض الموجز لمدخل د/شوقي ضيف الذي صدّر به كتاب الرد على النحاة لابن مضاء يمكن أن نسجل الآتي:
ـ هذا المدخل يعد تحليلا وافيا لآراء ابن مضاء مع التأييد الكامل من د/ضيف والاستجابة لآرائه الجديدة التي تتمثل في إلغاء بعض الأسس التي قام عليها البناء النحوي بصورته المرفوضة من قِبَل ابن مضاء، وهذه الأسس هي:
1ـ إلغاء نظرية العامل.-2- إلغاء العلل الثوانى و الثوالث -3- إلغاء القياس -4- إلغاء التمارين غير العلمية
.
وإيمانا بفكر ابن مضاء حاول د/ضيف أن يضع تصورا لتصنيف النحو تصنيفا جديدا ييسره ويذلل صعوباته، وينقيه من الشوائب التي تعوق دون فهمه، وأقام تصوره في رسم تصنيفه الجديد على ثلاثة أسس هي:
1ـ تنسيق أبواب النحو تنسيقا يؤدي إلى الاستغناء عن بعض أبوابه بردها إلى أبواب أخرى؛ اعتمادا على مبدأ التجانس بين أبواب النحو.
2ـ إلغاء الإعرابين التقديري والمحلي في الجمـل والمفردات المقصـورة والمنقوصة والمبنية.
3ـ إهمال الإعراب ما لم يفد شيئا في تصحيح الكلام وسلامة النطق.
وقد خلص د/ضيف إلى هذه الأسس من خلال مبدأين رئيسين دعا إليهما، نتيجة هضمه واستيعابه لفكر ابن مضاء، وهما:
1ـ الانصراف عن نظرية العامل.-2- منع التأويل و التقدير فى الصيغ و العبارات
وحاول د/ضيف أن يطبق أسس منهجه الجديد على بعض أبواب النحو في هذا المدخل، وقد وُفّـق في كثير منها، وبعضها لم يوفق فيه؛ فلم يطبقه ـ من وجهة نظر الباحث ـ وقد بيّنا ذلك في موضعه.
ـ هذا المدخل يعد ثورة من د/ضيف على النحو العربي بصورته المبثوثة في مصادر النحو القديمة منذ سيبويه، كما كان كتاب ابن مضاء أكبر ثورة على النحو العربي ونحاة المشرق، وهذا يعود إلى أن د/ضيف نهَج نهْج ابن مضاء واهتدى بآرائه في رفضه للنحو العربي بصورته عند سيبويه ومن تلاه.
ـ ينبغي ألا ننسى أن د/ضيف قد حقق كتاب ابن مضاء (الرد على النحاة) في سنة 1947 ، وهذا يعني أن ما انتهى إليه من جديد يمثل فكره في تلك الفترة، وهو يعد فكرا ناضجا نتيجة فهم جيد لفكر ابن مضاء وتمثّل لآرائه تمثّلا أجود. وهذا يقودنا لطرح هذا السؤال: هل توقف فكر د/ضيف عند هذا الحد طوال السنوات التالية؟ أو تطور في نفس الاتجاه؟ أو أخذ اتجاها مغايرا نحو إعادة تصنيف النحو تصنيفا جديدا؟ هذا ما نحاول أن نجيب عنه في السطور القادمة.
منهج شوقي ضيف
في مدخل كتاب تجــديد النحـو
كان نشر كتاب (الرد على النحاة) باعثا للدكتور/شوقي ضيف على التفكير في تجديد النحو بعرضه عرضا حديثا على أسس قويمة تصفّيه وتنقّيه وتجعله داني القطوف للناشئة. وقد اعتمد د/ضيف في إعادة بناء النحو بناء جديدا على ستة أسس؛ ثلاثة منها انتهى إليها فكره عند تحقيق كتاب (الرد على النحاة)، والثلاثة الأخرى اهتدى إليها نتيجة فكر متجدد وعمل دءوب ورغبة ملحّة في تجديد النحو العربي طيلة السنوات التالية لتحقيق كتاب الرد على النحاة، فقد قدّم لمجمع اللغة العربية مشروعا في 1977 لتيسير النحو معتمدا فيه على الأسس الثلاثة السابقة مع أساس رابع اهتدى إليه آنذاك، وفي 1981 اهتدى إلى أساسين آخرين نتيجة سمو فكره وحرصه الشديد على تجديد النحو وتيسيره، فصار يمتلك ستة أسس يستطيع بها أن يعيد تصنيف النحو تصنيفا جديدا ييسره ويذلل صعوباته للدارسين، فيفهمونه وبالتالي يفهمون أساليب العربية المجسدة في القرآن الكريم والحديث الشريف والتراث الأدبي. والأسس الستة هـي:
1ـ إعادة تنسيق أبواب النحو تنسيقا يؤدي إلى الاستغناء عن طائفة منها بردها إلى أبواب أخرى.
2ـ إلغاء الإعرابين التقديري والمحلي في الجمل والمفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية.
3ـ الإعراب لصحة النطق. (إهمال الإعراب ما لم يُفِـد في سلامة النطق).
4ـ وضع تعريفات وضوابط دقيقة لبعض أبواب النحو.-5- حذف زوائد كثيرة من أبواب النحو تعرض فيه دون حاجة إليها
6ـ زيادة إضافات لبعض الأبواب؛ لتمثّل الصياغة العربية تمثّلا دقيقا
واستطاع د/ضيف بفضل هذه الأسس أن يعيد تبويب النحو وتصنيفه تصنيفا جديدا، وقدّمه للدارسين وقراء العربية في كتاب أصدره سنة 1982 بعنوان ( تجديد النحو) مكوّنا من مدخل وستة أقسام: قسمين للصرف وأربعة للنحو.
ويعـدّ هذا المدخل استمكالا لمنهجه السابق في التصنيف الجديد للنحو، والذي بدأه بمدخل مماثل صدّر به كتاب (الرد على النحاة)؛ وهذا المدخل فصّل فيه د/ضيف الحديث عن الأسس الستة التي استند إليها في تصنيفه الجديد للنحو؛ ومن ثم نقف عند هذا المدخل ـ كما وقفنا عند سابقه ـ لنبرز أهم ما فيه من فكر جديد لصاحبه نحو إعادة تصنيف النحو تصنيفا جديدا، مع نقاشه ـ ما احتجنا إلى النقاش ـ في بعض آرائه وتسجيل وجهة نظر الباحث وفاقا أو خلافا معه، علما بأن الخلاف لا ينقص من فكر الآخر ورؤيته، كما أنه لا يفسد للود قضية.
أسس تجديد النحو في الكتاب
**********************
الأساس الأول : إعادة تنسيق أبواب النحو :
هذا التنسيق الجديد لأبواب النحو جعل الكتاب في ستة أقسام شملت العديد من المباحث، وقد بدأها صاحبها بمبحث في نطق الكلمة وهو مقتبس من علم التجويد، ثم أعقبه بمباحث صرفية حول أبنية الفعل وأقسامه وتصاريفه وأنواع الحروف وأقسام الاسم المتنوعة تنوعا واسعا، ولم يعنَ بفكرة الموازين ولا بباب الإعلال؛ لأن ذلك يدخل على المباحث الصرفية تعقيدا وصورا للكلمات مفترضة لم تجر على الألسنة، ثم انتقل بعد ذلك إلى المباحث النحوية، فتحدث عن المرفوعات بادئا بالمبتدأ والخبر ركني الجملة الاسمية، ثم إن وأخواتها ولا النافية للجنس والفاعل ونائبه، ثم انتقل إلى المنصوبات فتحدث عن المفعولات والاستثناء والحال والتمييز والنداء على التوالي، ثم صيغ الفعل ثم العدد ثم الممنوع من الصرف ثم عمل المصادر والمشتقات ثم حروف الزيادة، ثم انتقل بعد ذلك إلى الإضافات كالذكر والحذف والتقديم والتأخير وأنواع الجمل.
وفي ضوء هذا التنسيق الجديد ألغى د/ضيف من أبواب النحو ثمانية عشر بابا هـي: باب كان وأخواتها، وباب ما ولا ولات العاملات عمل ليس، وباب كاد وأخواتها، وباب ظن وأخواتها، وباب أعلم وأخواتها، وباب التنازع، وباب الاشتغال، وباب الصفة المشبهة، وباب اسم التفضيل، وباب التعجب، وباب المدح والذم، وباب كنايات العدد، وباب الاختصاص، وباب التحذير، وباب الإغراء، وباب الترخيم، وباب الاستغاثة، وباب الندبة. ونقل باب الإضافة وباب التوابع إلى تقسيمات الاسم في القسم الثاني من الكتاب.
وإلغاء هذه الأبواب لا يعني خروجها أو خروج أمثلتها من كتب النحو، بل أدمجت في أبواب أخرى رآها د/ضيف أحق بها، فأبواب (كان وكاد وظن وأعلم) انتقلت إلى باب المفعول به على اعتبار أنها أفعال تامة، ومرفوعها فاعل ومنصوبها حال أو مفعول وفقا لنوع الفعل من حيث التعدي واللزوم، وترتب على ذلك إلغاء باب (ما ولا ولات)؛ لأنها مشبهات بـ(ليس) وقد انتقلت إلى باب المفعول، وقرر د/ضيف إلغاء (لا) لأنها ليس لها نماذج، وأما (لات) الواردة مرة واحدة في القرآن الكريم فقد رأى أنها حرف لنفي الظرف، وتدخل فيما أسماه بـ(شبه الجملة)، وأما (ما) التي ورد لها أكثر من نموذج قرآني فقد رأى أن ما بعدها مبتدأ مرفوع وخبر منصوب بنزع الخافض وليس بتأثير من (ما) .
والباحث يحمد للدكتور/ضيف رأيه في إلغاء أبواب (كان وكاد وظن وأعلم) واندماجها في باب المفعول به، على الرغم من خلافه معه في أن جملة (كان وأخواتها) و(كاد وأخواتها) جمل فعلية، كما يوافقه على إلغاء (لا) العاملة عمل ليس؛ لكنه يختلف معه في (ما ولات)، وتعليله لنصب الخبر مع (ما) بنزع الخافض غير مقبول؛ لأن الأصل في الخبر أن يأتي بدون خافض، ثم يسبقه الخافض لدلالة التوكيد، كما تدخل (من) الزائدة على المبتدأ، وأما تحويل جملة (لات) إلى شبه جملة من أجل إلغاء (لات) فهو خلل في نظام الجملة القائم على عنصرين أساسين، ويصعب أن نفهم الآية (فنادوا ولات حين مناص) إلا إذا قدرنا عنصرا محذوفا في جملة (لات)؛ وأرى أن يلحق الحرفان بالمبتدأ والخبر، مع الإقرار بتأثيرهما على رفع المبتدأ ونصب الخبر، كما يؤثر الخافض فيهما.
وفي تبريره لإلغاء باب التنازع عرض د/ضيف لرؤيتي البصريين والكوفيين في الفعل العامل في الفاعل أو المفعول، ورأي البصريين أن العمل للفعل الثاني لقربه ومعمول الأول مضمر، ورأي الكوفيين أن الفعل العامل هو الأول لسبقه ومعمول الثاني مضمر، ثم خطّأ د/ضيف كلا الرأيين محتجا بأن النصوص العربية الموثوقة تشهد بأن الفعلين يتسلطان على المعمول دون إضمار في الأول ولا في الثاني، ثم ذهب مذهب سيبويه في أنه لا يوجد تنازع بين عاملين على معمول واحد، بل دائما العمل للفعل الثاني، ورأى د/ضيف أن النحاة افترضوا صورا للتنازع لم يشهدها الواقع اللغوي، ومن ثم يجب أن تلغى من النحو، ولا يبقى إلا ما له نماذج في الاستعمال اللغوي الموثوق، ونقل هذه النماذج إلى باب الذكر والحذف موزعة على مبحثي حذف الفاعل وحذف المفعول، تبعا للمعمول المحذوف.
والباحث يتفق مع د/ضيف في إلغاء باب التنازع وتوزيع صوره المستعملة في اللغة على أبواب أخرى، غير أنه يختلف معه في حذف الفاعل، فالفاعل من وجهة نظري لا يحذف وإنما هو ملازم للفعل مضمر فيه، وعلى ذلك توضع صورة التنازع الخاصة به في باب الفاعل المضمر أو الضميري، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ليس هناك دليل بيّن على أن العمل للفعل الثاني، فلمَ لا يكون العمل للأول ومعمول الثاني مضمر؟ وهذا ما قرره الكوفيون، وفي نظري أن رأيهم أقرب؛ لأن الإضمار بعد الإظهار أفضل وأولى منه قبل الإظهار، وعلى هذا جاءت لغة القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: "ما ودعك ربك وما قلى" الضحى3 فالمفعول ذكر مع الفعل الأول وقدّر مع الفعل الثاني.
وفي تبريره لإلغاء باب الاشتغال ذكر د/ضيف أن كثيرا من صور الاشتغال مصطنعة من النحاة وليس لها واقع لغوي، بل ليس له إلا صورة واحدة هي التي وردت في القرآن كثيرا، كما في قوله تعالى: (والأنعام خلقها)، وهذه الصورة إما أن تساق في باب المبتدأ والخبر على اعتبار أن الاسم مرفوع مبتدأ والجملة الفعلية خبر، أو تساق في باب المفعول به الذي حذف فعله.
والباحث يتفق مع د/ضيف في رأيه هذا، ويذكّر بأمر مهم، وهو أن د/ضيف خالف هنا رأيه بإلغاء نظرية العامل ومنع التأويل والتقدير؛ لأنه قدّر فعلا محذوفا عمل في الاسم المفعول النصب، وهذا يحدث خللا في تطبيق المنهج الذي دعا إليه، لاسيما أنه قرر سلفا أن (زيدا) في جملة (زيدا ضربته) مفعول به ولكن لا نقّدر له عاملا محذوفا ، واقترح أن يدرج الاسم المنصوب على الاشتغال تحت باب (شبه الجملة)، ولو كان د/ضيف فعل ذلك قصدا، فهو قد وقف موقفا وسطا بين ابن مضاء الذي ألغى الباب برمته والنحاة الذين أضافوا للباب صورا لتراكيب نحوية مفترضة، وحسبه من التيسير أنه حذف هذه الصور المفترضة، ونقل الصور المستعملة إلى باب المفعول، فهذا يخفف من العبء.
أما أبواب التفضيل والتعجب والصفة المشبهة والمدح والذم وكنايات العدد والاختصاص فألغيت وأدمجت أمثلتها بمناقشتها في باب التمييز الذي نسّقه د/ضيف تنسيقا جديدا يحمد له، وضُمّ بابا التحذير والإغراء إلى باب الذكر والحذف على اعتبار أنهما مفعولان حذف فعلاهما وفاعلاهما، والباحث يعود فيذكر بأن د/ضيف عدل عن رأيه بإلغاء نظرية العامل ومنع التقدير والتأويل؛ إذ قدّر هنا فعلا محذوف عمل في الاسم المفعول النصب؛ وهذا يؤكد حدوث خلل في المنهج، لاسيما أن د/ضيف دعا إلى إطلاق مصطلح (شبه الجملة) على عدة تراكيب في العربية؛ منها تركيبا التحذير والإغراء .
وأما بابا الاستغاثة والندبة فقد ألحقا بباب النداء دون حاجة إلى إعرابهما، وأما باب الترخيم فألغي لأنه ليس له صور حية في اللغة، إنما هو لهجة قديمة مهجورة. والباحث يذكّر بأن التراث الشعري قد حفظ لنا صورة الترخيم
أما نقل باب الإضافة وباب التوابع إلى تقسيمات الاسم فلا نوافق عليه؛ لأن الإضافة والتوابع موضوعات نحوية تمثل أنماطا من أنماط التراكيب العربية، فكيف تعالج في القسم الصرفي الذي يعالج بنية الاسم؟ إن هذا الأمر يحدث خلطا بين موضوع الدرس النحوي وموضوع الدرس الصرفي؛ ومن ثم ينبغي أن يدرجا في القسم النحوي؛ فهو بهما أولى.
ومن الأبواب التي دعا إلى إلغائها في مدخل الرد على النحاة، ولم يلغها ولم يدمجها في باب آخر في تطبيق منهجه في كتاب تجديد النحو باب (إن وأخواتها) و(باب لا النافية للجنس)؛ حيث قرر في المدخل الأول أن يلغى هذا الباب، وتدمج أمثلته في باب المبتدأ والخبر على أن يعرب الاسم المنصوب مبتدأ منصوبا، ولمَ لا والمبتدأ يجـر بعد رب وأخواتها؟ إذن فلا مانع من أن ينصب كما يجر . والباحث سبق أن أعلن رأيه المخالف لرأي د/ضيف هذا، وفي عودة د/ضيف عن رأيه هنا إلى آراء النحاة تأييد لرأي الباحث، غير أن في ذلك هدما لمنهجه الذي أرساه في مدخل الرد على النحاة.
وعلى الرغم من الخلاف في الرأي مع د/ضيف أحيانا، فإن من ينظر في أبواب النحو التي سجلها د/ضيف في كتابه يلحظ أن النحو ظل في التصنيف الجديد محافظا على هيكله العام مع عرض الصيغ المتنوعة للعربية عرضا تفصيليا، وأن الأبواب التي ألغيت لم تحذف صورها، فهي مبثوثة في أبواب أخرى، وأعتقد أن رجوع د/ضيف عن بعض آرائه قد أسهم في تشكيل أبواب الكتاب على النحو الذي نراه فيه، وفي هذا التشكيل ما ييسر النحو للدارسين.
الأساس الثاني: إلغاء الإعراب التقديري والإعراب المحلي :
هذا هو الأساس الثاني الذي دعا إليه د/ضيف باهتداء من ابن مضاء واللجنة الوزارية في مقترحاتها سنة 1938 ، فرأى أن يقال في (جاء الفتى): الفتى فاعل محله الرفع، وفي (هذا زيد): هذا مبتدأ محله الرفع، وفي ذلك تعميم للمصطلح، وفي (زيد يكتب): يكتب جملة فعلية خبر، فنعيّن وظيفة الجملة دو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bebo2013.yoo7.com
 
موقف شوقى ضيف من النحو العربى (2)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» موقف شوقى ضيف من النحو العربى (1)
» حلقات فى علم النحو ( الحلقة الأولى )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فرسان الكلمة  :: اسلاميات :: المنتدى الأول :: لغويات :: نحو :: صرف :: بلاغة :: كتب لغوية-
انتقل الى: