يروي عن عبدالله بن عمرو بن العاص( رضي الله عنهما) انه قال: قال رسول الله( صلي الله عليه وسلم): لايركب البحر الا حاج او معتمر او غاز في سبيل الله, فان تحت البحر نارا, وتحت النار بحرا.
(سنن ابي داود: كتاب الجهاد)
والحديث اخرجه ابو داود في سننه( حديث رقم2489) في اول كتاب الجهاد, وكذلك اخرجه البيهقي في سننه( الجزء الرابع, صفحه443)
وغيرهما مرفوعا بلفظ ان تحت البحر نارا, وتحت النار بحرا, واخرجه ابن شيبه في مصنفه ( الجزء الاول, ص131) موقوفا علي عبدالله بن عمرو بن العاص بلفظ: ان تحت البحر نارا, ثم ماء ثم نارا وذكر ان رجال اسناده ثقات.
وقيل في الروايه المرفوعه السابقه ان اسنادها ضعيف, ولكن الحاكم في المستدرك ( الجزء الرابع, ص596) اخرج له شاهدا من حديث يعلي بن اميه قال: قال رسول الله ( صلي الله عليه وسلم) ان البحر هو جهنم وقال: صحيح الاسناد, ووافقه الامام الذهبي في تلخيص المستدرك علي ذلك, وعليه يكون الحديث بمجموع طريقته حسنا علي الاقل, ومن ضعفه فقد نظر الي طريقته الضعيفه وحدها نظرا لصعوبه فهم دلاله الحديث.
فقد ذكر ابن كثير في البدايه( الجزء الثاني, ص144 طبعه دار هجر يقول في معني كون البحر جهنم ان البحر يسجر يوم القيامه ويكون من جمله جهنم.
وما اروع ما في كتاب عون المعبود في شرح سنن ابي داود للعظيم ابادي( الجزء السابع, ص167) في شرح معني ان تحت البحر نارا قال:قيل هو علي ظاهره, فان الله علي كل شيء قدير.
وقال الخطابي في شرح سنن ابي داود: هو تفخيم الامر بالبحر وتهويل من شانه.
وذكر ابن حجر شاهدا لصدد هذا الحديث يقويه ويرقي به الي مرتبه الحسن وذلك في كتابه التلخيص ( الجزء الثاني ص221) من حديث لابن عمر ( رضي الله عنهما) ( حديث رقم955), وبذلك يكون الحديث بمجموعه كله حسنا, علي الرغم من عجيب ما فيه من معان علميه دقيقه لم يتوصل الانسان الي ادراك شيء منها الا في اواخر القرن العشرين.
والحديث الشريف الذي نحن بصدده يتفق بدقه بالغه مع القسم القراني الوارد في مطلع سوره الطور, والذي يقسم فيه ربنا تبارك وتعالي ( وهو الغني عن القسم) بالبحر المسجور فيقول ( عز من قائل):
والطور* وكتاب مسطور* في رق منشور* والبيت المعمور* والسقف المرفوع* والبحر المسجور* ان عذاب ربك لواقع* ماله من دافع* ( الطور:1
ولم يستطع العرب في وقت تنزل القران الكريم ان يستوعبوا دلاله القسم بالبحر المسجور, لان عندهم: سجر التنور يعني اوقد عليه حتي احماه, والماء والحراره من الاضداد, فالماء يطفيء الحراره والحراره تبخر الماء, فكيف يمكن للاضداد ان تتعايش في تلاحم وثيق دون ان يلغي احدها الاخر؟
وقد دفعهم ذلك الي نسبه الامر للاخره استنادا الي ماجاء في سوره التكوير من قول الحق( تبارك وتعالي):
واذا البحار سجرت* ( التكوير:6)
ولكن الايات في مطلع سوره التكوير كلها تشير الي امور مستقبليه في الاخره, والقسم في مطلع سوره الطور كله بامور واقعه في حياتنا...!!!
واضطر ذلك مجموعه من المفسرين الي البحث عن معني لغوي للفعل سجر غير اوقد علي الشيء حتي احماه, ووجدوا من معاني سجر ملا وكف, وفرحوا بذلك فرحا شديدا لانه فسر الامر لهم بمعني ان الله ( تعالي) يمن علي البشريه كلها بانه قد ملا منخفضات الارض بالماء وحجزها وكفها عن مزيد من الطغيان علي اليابسه.
ولكن حديث رسول الله( صلي الله عليه وسلم) الذي نتناوله في هذه العجاله يوكد ان تحت البحر نارا, وان تحت النار بحرا
والرسول( صلوات الله وسلامه عليه) لم يركب البحر في حياته الشريفه مره واحده, فمن كان يضطره الي الخوض في امر غيبي كهذا لولا ان الله( تعالي) قد اخبره به لانه ( سبحانه) يعلم بعلمه المحيط ان الانسان سيكتشف هذه الحقيقه الكونيه المبهره في يوم من الايام فانزلها في كتابه الكريم, وعلمها لخاتم الانبياء والمرسلين لتبقي شاهده ابد الدهر علي ان القران الكريم هو كلام الله الخالق وان هذا النبي الخاتم الذي تلقاه ماينطق عن الهوي...!!